سورة الشرح - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشرح)


        


{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)}
استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه، فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك؛ ولذلك عطف عليه: وضعنا: اعتباراً للمعنى. ومعنى: شرحنا صدرك: فسحناه حتى وسع هموم النبوّة ودعوة الثقلين جميعاً. أو حتى احتمل المكاره التي يتعرض لك بها كفار قومك وغيرهم: أو فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم، وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل.
وعن الحسن: مليء حكمة وعلماً.
وعن أبي جعفر المنصور أنه قرأ: {ألم نشرح لك} بفتح الحاء. وقالوا: لعله بين الحاء وأشبعها في مخرجها، فظنّ السامع أنه فتحها، والوزر الذي أنقض ظهره- أي: حمله على النقيض وهو صوت الانتقاض والانفكاك لثقله- مثل لما كان يثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغمّه من فرطاته قبل النبوّة. أو من جهله بالأحكام والشرائع. أو من تهالكه على إسلام أولي العناد من قومه وتلهفه. ووضعه عنه: أن غفر له، أو علم الشرائع، أو مهد عذره بعد ما بلغ وبلغ.
وقرأ أنس: {وحللنا} حططنا.
وقرأ ابن مسعود: {وحللنا عنك وقرك}. ورفع ذكره: أن قرن بذكر الله في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والتشهد والخطب، وفي غير موضع من القرآن {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]، {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} [النساء: 13]، {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} [المائدة: 92] وفي تسميته رسول الله ونبيّ الله؛ ومنه ذكره في كتب الأولين، والأخذ على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به، فإن قلت: أيّ فائدة في زيادة لك، والمعنى مستقل بدونه؟ قلت: في زيادة لك ما في طريقة الإبهام والإيضاح، كأنه قيل: ألم نشرح لك، ففهم أن ثم مشروحاً، ثم قيل: صدرك، فأوضح ما علم مبهما، وكذلك {لَكَ ذِكْرَكَ} و{عَنكَ وِزْرَكَ}.


{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}
فإن قلت: كيف تعلق قوله: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} بما قبله؟ قلت: كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة، حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم، فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً (5)} كأنه قال: خوّلناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً.
فإن قلت: {إِنَّ مَعَ} للصحبة، فما معنى اصطحاب اليسر والعسر؟ قلت: أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرّب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر، زيادة في التسلية وتقوية القلوب.
فإن قلت: ما معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: لن يغلب عسر يسرين وقد روي مرفوعاً: أنه خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يضحك ويقول: «لن يغلب عسر يسرين» قلت: هذا عمل على الظاهر، وبناء على قوّه الرجاء، وأن موعد الله لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ وأبلغه، والقول في أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريراً للأولى كما كرر قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} [الطور: 11] لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب، وكما تكرر المفرد في قولك: جاءني زيد زيد، وأن تكون الأولى عدّة بأنّ العسر مردوف بيسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأنّ العسر متبوع بيسر، فهما يسران على تقدير الاستئناف، وإنما كان العسر واحداً لأنه لا يخلو، إما أن يكون تعريفه للعهد، وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو؛ لأنّ حكمه حكم زيد في قولك: إن مع زيد مالاً، إن مع زيد مالاً. وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه لك كل أحد فهو هو أيضاً. وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً غير مكرّر فقد تناول بعضاً غير البعض الأوّل بغير إشكال.
فإن قلت: فما المراد باليسرين؟ قلت: يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تيسر لهم في أيام الخلفاء، وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الحسنيين} [التوبة: 52] وهما حسنى الظفر وحسنى الثواب.
فإن قلت: فما معنى هذا التنكير؟ قلت: التفخيم، كأنه قيل: إن مع العسر يسراً عظيماً وأيّ يسر، وهو في مصحف ابن مسعود مرة واحدة.
فإن قلت: فإذا ثبت في قراءته غير مكرر، فلم قال: والذي نفسي بيده، لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين؟ قلت: كأنه قصد باليسرين: ما في قوله: {يُسْراً} من معنى التفخيم، فتأوله بيسر الدارين، وذلك يسران في الحقيقة.


{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
فإن قلت: فكيف تعلق قوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب (7)} بما قبله؟ قلت: لما عدد عليه نعمه السالفة ووعده الآنفة، بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض، ويتابع ويحرص على أن لا يخلي وقتاً من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى.
وعن ابن عباس: فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء.
وعن الحسن: فإذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة.
وعن مجاهد: فإذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك.
وعن الشعبي: أنه رأى رجلاً يشيل حجراً فقال: ليس بهذا أمر الفارغ، وقعود الرجل فارغاً من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعينه في دينه أو دنياه: من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة، ولقد قال عمر رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة.
وقرأ أبو السّمّال: فرغت- بكسر الراء- وليست بفصيحة. ومن البدع: ما روى عن بعض الرافضة أنه قرأ: {فانصب} بكسر الصاد، أي: فانصب علياً للإمامة؛ ولو صحّ هذا للرافضي لصحّ للناصبي أن يقرأ هكذا، ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض عليّ وعداوته {وإلى رَبِّكَ فارغب (8)} واجعل رغبتك إليه خصوصاً، ولا تسأل إلا فضله متوكلاً عليه. وقرئ: {فرغب} أي: رغب الناس إلى طلب ما عنده.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ ألم نشرح، فكأنما جاءني وأنا مغتمّ ففرج عني».